صور أيقونية وحقوق ضائعة.. "أطفال الحروب" يغيرون الواقع أم يخسرون حياتهم؟

صور أيقونية وحقوق ضائعة.. "أطفال الحروب" يغيرون الواقع أم يخسرون حياتهم؟

 

كتبت - مروة بدوي

 

تأمل العالم أجمع صورة الطفل السوري مصطفى النزّال مع والده، والتي اختزلت معاناة هذا الصغير المولود بلا أطراف بسبب اضطراب خلقي ناتج عن الأدوية التي اضطرت والدته لتناولها بعد استنشاق غاز الأعصاب أثناء الحرب، ووالده الذي فقد ساقه خلال أحد الانفجارات بسوريا.

هذه الصورة خلقت عالماً جديداً لهذا الصغير وأسرته بعد أن فتحت إيطاليا أحضانها وقدمت لهم ملاذاً آمناً، وسط احتفاء وسائل الإعلام الإيطالية بوصول عائلة اللاجئ السوري إلى مدينة سيينا التي ستمنحهم حياة جديدة وبرنامجاً علاجياً طويل الأمد على أمل أن يتمكن الأطباء من تركيب أطراف اصطناعية للأب والابن تؤمن مستقبلهما.

 يبدو أن هذه الصورة التي التقطها المصور التركي محمد أصلان، والمعروفة بعنوان "مشقة الحياة"، قد قدمت فرصة ذهبية لهذا الصغير لكي يهرب من ويلات الحرب، وينعم بطفولته في هدوء وبراءة بعيداً عن طلقات الرصاص وأصوات المدافع ورائحة الموت. لكن ماذا بعد الاحتفاء بهذه الصورة الأيقونية.. هل سينسى مصطفى هذه المأساة؟ هل سيتغير الواقع الذي فرض عليه بسبب الحرب؟ أو حتى سوف تساهم هذه الصورة في تغير مستقبل أطفال سوريا وإنقاذهم من الدمار؟

لمحاولة الإجابة عن هذه التساؤلات علينا أن نعود بالزمن إلى الوراء حتى نرصد وقائع الحروب الدامية التي شهدها كوكب الأرض وتأثيرها على أطفال العالم، والبداية مع تلك الصور التي جسدت مآسي أطفال هيروشيما و نجازاكي بعد القصف النووي عام ١٩٤٥، والتي باتت جزءاً من ذاكرة العالم.

 وأشهرها صورة لطفل ياباني يجلس وحيداً باكياً تحت أنقاض هيروشيما بعد أن فقد عائلته وأضحى بلا مأوى. أما في نجازاكي نجد صورة أخرى لاقت رواجاً كبيراً لما تحمله من أسمى معاني الوفاء وتحمل المسؤولية لطفل لم يبلغ العاشرة في مقابل عالم قاسٍ يبحث فيه الجميع عن مصالحه الخاصة، بعد أن أمطرت أمريكا سماء نجازاكي بالقنابل الذرية ومات الآلاف وقف هذا الطفل بكل جسارة متحملاٍ مسؤوليته كأخ يدفن أخيه الصغير حتى لا يترك جثة هامدة على جانب الطريق.

ويحكي المصور الأمريكي، جو أودونيل، صاحب هذه الصورة التي تحمل عنوان " طفل نجازاكي الواقف" ، أنه رأى صبياً في حوالي العاشرة من عمره  يحمل طفلاً ميتاً على ظهره ويقترب من المحرقة ثم أمسك الرجال جثة الرضيع وألقوها في النيران، ورغم سكون الصبي وتماسكه كان يعلو وجهه الحزن والحسرة التي كتمها في قلبه حتى عض شفته السفلية بشدة وسالت منها الدماء لكنه وقف يراقب النيران ثم استدار وذهب في صمت.

  أرادت الولايات المتحدة إنهاء الحرب العالمية الثانية بالقنابل الذرية، وهو ما حدث بالفعل! لكنها خلفت وراءها جيلاً كاملاً من الضحايا الذين عاشوا هذه المأساة و فقدوا أحباءهم أو عاشوا وهم يعانون من أمراض مرتبطة بالقنبلة النووية بعد إصابتهم بما يعرف بـ"الأمطار السوداء" ذات النشاط الإشعاعي.. صور هؤلاء الأطفال هزت ضمير العالم حينذاك، فهل تحسنت الأمور أو اختلف واقع أطفال الحروب خلال النصف الثاني من القرن العشرين ؟ 

تأتي الإجابة من صورة أيقونية أخرى  لطفلة فيتنامية تدعى فان كيم فوك أدمت القلوب وهى تهرول عارية في شوارع فيتنام الجنوبية في صباح 8  يونيو 1972، وتصرخ قائلة "حار جداً، حار جداً"، إثر خطأ قائد سلاح الجو الذي قصف المدنيين بقنابل النابالم، والتقطت عدسة المصور نيك أوت لحظة هروب كيم بعد احتراق ملابسها وجسدها بشدة.

وتحولت صورة "طفلة النابالم" إلى واحدة من أبشع الصور في القرن الماضي، ورغم قسوتها فقد حملت وجهاً إيجابياً حيث أصبحت أحد الأسباب الرئيسية في إنهاء الحرب الأمريكية على فيتنام. 

ومن بشاعة صورة" طفلة النابالم" إلى الجمال البائس في الصورة ذائعة الصيت "الموناليزا الأفغانية"، قد مر حينها أكثر من عقد كامل ولم يتغير حال أطفال الحروب، فهم كانوا وما زالوا يسددون فاتورة الكراهية والصراعات الدولية.

الفتاة الأفغانية،شربات جولا، فقدت والديها في إحدى جولات القصف الجوي لطائرات الاتحاد السوفيتي عام 1984، وعاشت بمخيم للاجئين في باكستان، حيث التقط صورتها المصور الصحفي الأمريكي، ستيف ماكوري، ونشرها على غلاف مجلة ناشيونال جيوغرافيك عام 1985، فتحولت إلى رمز لمعاناة الصغار في الحرب.

 تفاصيل تلك الصورة حملت للعالم جمال وبراءة الطفولة الممزوج بالظلم والفقر، عيون شربات جولا الخضراء التي فقدت بريقها أسرت البشرية، حتى إنهم لقبوها بالموناليزا، تحفة الرسام العالمي ليوناردو دافنشي، لكن هذه الصورة الرائعة لم تنهِ الحرب على أرض أفغانستان المثخن بالجراح حتى يومنا هذا. 

كل هذه الصور الأيقونية أبكت العالم مرات عدة، لكنها لم تغير واقع هؤلاء الأطفال الذين عاشوا حياتهم في معاناة من الآثار النفسية والجسدية لتلك اللحظات الرهيبة حتى وإن نجوا من الموت المحقق.

ورغم جهود اليونيسف لحماية الأطفال في أماكن الصراع وتحديد مجلس الأمن عدداً من الانتهاكات الوحشية ضد الأطفال في أوقات الحرب وإدانتها، منها قتل الأطفال وتشويههم وتجنيدهم أو استغلالهم، بهدف تحسين الآلية رصد هذه الهجمات ومنعها واتخاذ إجراءات ملموسة لحماية الصغار من ويلات الحروب، إلا أن الطريق ما زال طويلاً، وتطل علينا كل يوم صورة جديدة تجسد معاناة هؤلاء الأطفال في مناطق الصراع الساخنة.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية